في ظل التحديات الأمنية.. الليبيات حائرات بين تشريعات متقدمة وموروثات رجعية

في ظل التحديات الأمنية.. الليبيات حائرات بين تشريعات متقدمة وموروثات رجعية

وسط تقدم تشريعي ومعوقات اجتماعية، تقف المرأة الليبية حائرة بعد سنوات طويلة من الاضطرابات والتوترات السياسية، التي انتقصت من مساحتها في المشاركة العامة بالبلاد.

وتحظى النساء في ليبيا بحقوق قانونية وسياسية، تمنحها وضعا أفضل من نظيراتها ببعض الدول العربية، لكن عوائق اجتماعية وثقافية تحول دون تبوئها مكانة تليق بها.

وتضم حكومة الوحدة الوطنية الليبية 5 وزيرات فقط من أصل 18 وزيراً، كما تشارك المرأة بنسبة 15 بالمئة فحسب في الهيئتين التشريعيتين في البلاد، بواقع عضوتين في مجلس النواب و20 امرأة في المجلس الأعلى للدولة من أصل 133 عضواً.

 وفي عام 2021، كان هناك تزايد في مشاركة المرأة الليبية في سياق الاستعدادات للانتخابات الوطنية، حيث بلغت نسبة النساء 44 بالمئة من الناخبين المسجلين الجدد و758 مرشحة للانتخابات البرلمانية. 

ولأول مرة في تاريخ البلاد، هناك امرأتان بين المتقدمين للترشح إلى منصب الرئيس، فيما انضم عدد كبير من الليبيات إلى الأحزاب السياسية. 

وهذه مؤشرات حيوية ورائعة على أن المرأة الليبية تشارك بفاعلية في الساحة السياسية، غير أن مشاركة المرأة الليبية في مواقع صنع القرار وإدماجها في الحياة الاقتصادية والسياسية والاجتماعية لا تزال منخفضة. 

ثقافة مجتمعية

تعتبر المرأة في ليبيا من بين أكثر الفئات التي تأثرت سلباً باستمرار انعدام الاستقرار السياسي في الدولة، بينما تعمل ليبيا على إعادة بناء الدولة، تغتنم الناشطات الفرصة للضغط من أجل زيادة النفوذ الاجتماعي والسياسي. 

غير أنهن يواجهن تحديات كبيرة، بما في ذلك القيود المفروضة على دور المرأة في المجتمع، وانعدام الأمن في الشوارع، وزيادة المضايقات عبر الإنترنت وخطاب الكراهية والتهديد المتواصل. 

وتواجه المرأة الليبية معوقات تتعلق بالثقافة الاجتماعية التي تحط من قيمتها مقابل الرجل، إلى جانب ممارسة التمييز ضدها رغم وجود القوانين التي تحميها وتحفظ لها حقوقها.

ويعد هذا تناقضا صارخا يعود في أساسه إلى أن المجتمع لا يزال يحتفظ بثقافته الرجعية، ويعكسها أفراده في ممارساتهم اليومية تجاه المرأة. 

ويلقى هذا التفكير المتخلف نوعا من الدعم في التفسير الخاطئ لتعاليم الإسلام الذي ازداد تأثيره في المجتمع، بسبب تزايد نسبة المادة الدينية المتوفرة عبر وسائل الإعلام المختلفة.

العنف ضد المرأة

في تقرير حديث للأمم المتحدة، دعت السلطات في ليبيا لاتخاذ خطوات عاجلة لحماية جميع النساء والفتيات في البلاد من تفشي العنف وسوء المعاملة، وتنفيذ تدابير وقائية بشكل كامل لضمان توفير الحماية والدعم للضحايا.

وكشف التقرير أيضا وجود حاجة ملحة لاتخاذ إجراءات عاجلة لإنهاء دورة العنف المستمرة ضد النساء والفتيات الليبيات وغير الليبيات، التي تفاقمت بسبب الإفلات الكامل من العقاب على الجرائم المرتكبة.

وأوضح أن مستويات العنف التي تواجهها النساء والفتيات في ليبيا واسعة النطاق خطيرة، وتصل إلى حد أن صارت ممنهجة، إذ بات قتل النساء لأكثر من سبب آخذاً في الازدياد، ومثل ذلك أعمال العنف الجسدي والاقتصادي والسياسي والاجتماعي في المجالين الخاص والعام. 

ويعد الانسداد السياسي وانعدام الأمن وعدم الاستقرار والتحديات التي يواجهها الحكم في البلد العربي الغني بالنفط، من بين الأسباب التي أدت إلى تدهور أوضاع حقوق الإنسان.

وأدى انتشار المجموعات المسلحة إلى ارتكاب الأعمال الإجرامية المعقدة والعابرة للحدود، ما ضاعف من الانتهاكات والتجاوزات الحقوقية لا سيما الموجهة ضد الفئات الأكثر ضعفا كالنساء والأطفال والمسنين.

مؤشرات إيجابية

إلا أن الجديد في وضع المرأة في ليبيا هو تزايد عدد سيدات الأعمال الليبيات من اللواتي يملكن ويدرن شركات متوسطة وكبيرة في مجالات مختلفة لا ترتبط مباشرة باحتياجات المرأة التقليدية، مثل محلات الزينة والملابس.

ومع عدم توفر أرقام دقيقة عن حجم الأعمال التي تملكها وتديرها النساء في ليبيا، فإن مؤشرات عديدة تؤكد وجود العشرات من تلك المشروعات من شركات توزيع الأدوية إلى مدارس التعليم المتوسط والابتدائي، وحتى مراكز التدريب المهني في مختلف المجالات.

ورغم ما تحقق للمرأة في ليبيا، فإن غياب الثقافة الاجتماعية التي تحترم المرأة ونقص التوعية المتصلة باحتياجات المرأة ودورها وغياب التنفيذ الجاد للقانون، يجعل أغلب تلك الحقوق في مهب الريح، خاصة أن المجتمع ذكوري الثقافة وتقليدي النظرة في أحسن الأحوال. 

كما يبعث على القلق حول وضع المرأة في ليبيا تفشي موجة التدين التقليدية بدءا من الملبس، حيث يتزايد عدد النساء اللواتي يرتدين الخمار، وهو لباس غير محلي ولم يكن يوماً مألوفاً في ليبيا.

إصلاحات تشريعية

في هذا السياق، قالت الناشطة النسوية في ليبيا نورا الجربي، إن تعزيز آليات الوقاية والتصدي للعنف ضد النساء والأطفال، يكون عبر الضمانات التشريعية والتي يأتي أبرزها مشروع قانون 2021 بشأن العنف ضد المرأة وإنهاء الإفلات من العقاب.

وأوضحت “الجربي” في تصريح لـ"جسور بوست"، أن تعزيز الدعم للمؤسسات الحكومية المعنية والمنظمات الحقوقية لضمان القيام بمهامها ودعم فرص التمكين الاقتصادي والمشاركة السياسية للمرأة، فضلا عن وضع مسألة توفير الحماية للمعنفات.

وأضافت في هذا الشأن: "من الضروري دعم الجهود التي يبذلها موظفو القطاع العام والمدافعون عن حقوق الإنسان والذين يعملون بلا كلل رغم كل الصعاب، من أجل ضمان حماية النساء والفتيات في المجتمع الليبي". 
 
 
 



موضوعات ذات صلة


ابق على اتصال

احصل على النشرة الإخبارية